مرفأ بيروت هدر وتبخر ملايين الدولارات وملفات الطاقة تراوح
اخبار سعر صرف الدولار في لبنان
وكأنه لا يكفي مرفأ بيروت ما أصابه من تفجير كارثي بلغ حدّ النكبة بالخسائر البشرية الهائلة التي نجمت عنه إلى الخسائر المادية الفادحة، فضلاً عن الصدمة المعنوية والآلام المترتبة على تعطيل التحقيق ومحاولات طمس الحقيقة، حتى تستمرّ ظواهر الفساد والهدر والمحسوبية معشّشة في جوانب المرفأ وإدارته، فهل المطلوب تكريس نوع من التوازن البغيض بين هذا الواقع وبين المأساة التي ولّدها الانفجار؟
وإذا كان مطار رفيق الحريري الدولي قد عرف مع العهد الرئاسي الجديد خطوات جدية لضبط مسارب الفوضى والتهريب والخروقات الأمنية، فإن المرفأ لم يحظَ حتى الآن بما ينبغي من اهتمام مماثل، لكنّ الأكيد أن النوايا واضحة لدى الحكم والحكومة في تنظيف ملف المرفأ وإعادة هذا المرفق إلى السكة الصحيحة، لا سيّما مع التحدّيات الاقتصادية والتجارية المقبلة.
فالواقع أنّ ثمة ملفات عدة دونها تساؤلات، برسم إدارة المرفأ والأجهزة الأمنية المعنية وهيئات الرقابة على أنواعها، لجهة التفلّت من المراقبة والمواكبة وصولاً إلى المحاسبة، وضياع المسؤوليات وتشتتها، وهو في أي حال ما كشفه تفجير المرفأ بشكل فاضح ومستهجن.
وتشير المعلومات إلى أن المحسوبية تغلب على أداء الإدارة، وإلّا لماذا تمّ استبدال المسؤول المعني عن موضوع المناقصات بعدما بدا واضحاً أنه يرفض التلاعب والرشاوى ومخالفة القانون والأصول؟ وكيف يمكن تفسير تلزيم إزالة الردم على أنواعه على أساس أنه يحتوي على مواد معدنية قدّرت زنتها بأكثر من 25 ألف طن، ليتبيّن أنها تقارب الخمسة آلاف طن، ما يعني أنه تم تهريب وبيع معظم الكميات الموجودة والمقدرة أساساً، والتي تضمّ مواد معدنية لا سيّما من النحاس تبلغ قيمتها ملايين عدة من الدولارات.
وثمة أسئلة أخرى حول التغييب المستمر لأجهزة المسح الضوئي المعروفة بالسكانر وما يعنيه ذلك من فحص بصري أو يدوي للبضائع إذا ما تم هذا الفحص، فضلاً عن التهرّب الجمركي وإمرار بضائع من دون رقابة بناء على اعتبارات استثنائية أو إفادات كاذبة. على أن الاعتداد بتعزيز القوى الأمنية في المرفأ أمر جيد، لكنّ الخلل مقيم في أمكنة أخرى ومسارب تتجاوز صلاحيات تلك القوى والأجهزة في ضبطها.
ولذلك، لا بدّ مع اقتراب استحقاق توفير أجهزة سكانر جديدة من التزام المسار القانوني بدقة، علماً أن كمية ضخمة من النفايات المجمعة في المرفأ يفترض تلزيم إزالتها ونقلها، وهو ما يقتضي أيضاً وضعها تحت الأنظار بدلاً من التعمية من هنا والتعامي من هناك.
في أي حال، لا يمكن الولوج إلى مكافحة الفساد من الباب العريض إلّا من خلال المحاسبة الفعلية والشاملة، وإلّا يتحوّل الأمر إلى ما يشبه البناء على الرمل. وهذا ما يقود إلى ضرورة فتح أو إعادة فتح مختلف ملفات الهدر والسرقة والعمولات غير المشروعة في قطاع الطاقة من كهرباء ومياه ومحروقات، وهو القطاع المعنيّ بالجزء الأعظم من الدين العام.
ولا يكفي البحث في الأوراق والوثائق، بل ينبغي الحكم على الواقع، بدءاً بمهزلة السدود من سدّ المسيلحة وكلفته التي قاربت الستين مليون دولار، ليتبيّن أنه أعجز من حصر الحدّ الأدنى من المياه نتيجة طبيعة الأرض، علماً أن نصائح عدة أسديت في إطار الإشارة إلى المحاذير المرتبطة بالتكوين الجيولوجي للمنطقة، بينما الفضيحة الأكثر فجاجة تتمثل بسد بلعا المهجور بعدما تم تخريب المنطقة وبناء جدار لحصر المياه، إلى عمليات الحفر والترقيع طويلاً، بكلفة عشرات ملايين الدولارات خلافاً لمختلف الدراسات التي أكدت وجود بواليع وفوالق في أرضية المنطقة، لا تسمح بتجميع المياه على رغم محاولات سدّ بعض تلك الثغرات بالباطون المسلح.
أما سدّ جنة، فيكفي مشهد التشويه المريع الذي حصل لأحد أجمل الوديان التي ترفل بالمياه والخضار، لتكون المنطقة اسماً على مسمّى، وها هي الأعمال متوقفة منذ فترة طويلة، علماً أن المسؤولين المعنيين في حينه رفضوا التوقف عند أكثر من دراسة جدية تحذر من أن طبيعة الأرض غير صالحة أيضاً لبناء سدّ فوقها.
في قبرص المتساقطات المائية أقل بكثير من المتساقطات في لبنان، لكن الدولة نجحت بشفافية واحتراف، بالتعويض عبر الاعتماد المدروس على المياه الجوفية بما لا يؤذي أو يلوّث الآبار الجوفية من جهة، وعبر بناء برك خاصة وفق معايير علمية دقيقة لتجميع المياه وحصرها بدلاً من تركها تذهب هدراً إلى البحر أو تغيب في الأودية وبين الهضاب. فماذا ينقص لبنان كي يحسن إدارة مياهه بعد محاسبة أساطين الهدر والتشبيح، حتى يستحق فعلاً لقب قصر المياه في الشرق الأوسط؟
Follow us on kataeb.org X